تحقيق: هل تعود القصيدة إلى تصدر المشهد الثقافي؟

تحقيق: هل تعود القصيدة إلى تصدر المشهد الثقافي؟

الشارقة: عثمان حسن
إن فكرة ترويج الشعر بوصفه «ديوان العرب»، وإيلاءه أهمية مضاعفة من الناشرين والمؤسسات الثقافية، هو جل ما يطمح إليه الشعراء الآن، سيما مع توجه معظم الدور إلى الاهتمام بالرواية، بنسبة تفوق ذلك الاهتمام الذي شهدناه في ستينات وسبعينات القرن الفائت، حين كان للشعر دور استثنائي ارتبط بالبعد القومي والنضالي.
في الإمارات، التي تشهد انفتاحاً على سوق النشر العربية والعالمية، بما توفره من بنية تحتية جاذبة تتيح للناشرين العرب، ابتكار الحلول، وتوفير منصات نشر لكافة أنواع الأدب، تبدو الساحة الثقافية مؤهلة لاحتضان كافة الأجناس الأدبية وفي مقدمتها الشعر، كما أن فكرة بروز الشعر، وعودته بقوة إلى الساحة، لكي يتصدر واجهة الإصدارات الأدبية، تلقى ترحيباً من الشعراء الإماراتيين، الذين أجمعوا على أهمية «ديوان العرب» ودوره الحضاري، وهو الذي يحفز المبدعين الشعراء على تجويد ما لديهم من قصائد ودواوين، لم تتسن لهم طباعتها بعد.
في الإمارات أعلنت إحدى دور النشر الخاصة واسمها «رواشن»، عن نيتها التخصص في طباعة الدواوين الشعرية، في أشكالها المختلفة (العمودي والتفعيلة والنثر)، وهي مبادرة يشرف عليها الناشر معتز قطينة، الذي يؤكد أن فكرة الدار انبثقت من ملاحظته لإهمال دور النشر للإبداع الشعري، فرأى أنه يمكن استثمار هذه الناحية في اتجاهين ثقافي وتجاري، ضمن خطة استراتيجية، وفي ضوء اتفاق بينه كناشر وبين الشاعر من جهة أخرى، بما يوفر حلولاً ناجزة للشعراء، لها صلة بترويج دواوينهم، وتسويقها في الإمارات ودول الخليج العربي.

وحول الكيفية التي اتبعها قطينة لترويج المنشور الشعري، يوضح أن خطته تعتمد مدخلين (تجاري وثقافي)، وهي تسير على مدى خمس سنوات، يضمن خلالها طباعة، وإعادة طباعة الكتاب أكثر من مرة، في ضوء اتفاق يضمن حقه وحق الشاعر المادي والمعنوي، وأنه يسعى لاستثمار وسائل التقنية الحديثة، بكل ما أوتي من قوة، حيث ستطبع الدار الكتاب الورقي، إضافة إلى نسخة إلكترونية من هذا المنتج، كما تقوم الدار كخطوة ثالثة باختيار موقع إلكتروني خاص بترويج الكتاب الشعري، وما يحمل من أفكار وصور ومضامين.
الشاعر كريم معتوق، يرى أن هناك حاجة ملحة للاهتمام بالشعر وعودته إلى صدارة المنشور الإماراتي والعربي، وفي هذا الإطار نبه معتوق، إلى أن العصر التقني الذي نعيشه الآن، كفيل بتحفيز الناشرين على ابتداع طرق ووسائل خلاقة تليق بالشعر، وهو الذي يترك أثره في المتلقي لجهة تشجيعه على القراءة، ومتابعة القصائد والدواوين والإطلالة على رصيد المبدع، وما أنجز خلال مسيرته الإبداعية.
وفي هذا الإطار، اقترح معتوق جملة من الملاحظات التي تعيد المنجز الشعري الإماراتي والعربي إلى واجهة الإصدارات الأدبية، ومن ذلك اتباع وسائل جديدة في عرض الكتاب الشعري في ضوء ما باتت توفره آليات تسويق المنتج الإبداعي، كتصميم مجسمات صغيرة من الإصدارات الشعرية، عدد صفحاتها لا يتجاوز الأربع، تقدم من خلالها نبذة عن الإصدار الشعري، وتتيح للمتلقي قراءة بضع مقاطع شعرية مؤثرة، من تجربة الشاعر.
ويضع معتوق مثل هذه الأفكار الجديدة في إطار كسر قاعدة الترويج للشعر، وعزوف القراء عن الدواوين الشعرية، بما يقربه من ذائقة المتلقي العربي، وهو الذي يضع على عاتق الناشرين مسؤولية مضاعفة، كالاهتمام بإخراج الديوان من الناحية الفنية، واختيار نوعية ورق جيدة، إلى غير ذلك من الوسائل المبتكرة.
الشاعرة شيخة المطيري، تفاعلت مع هذه الفكرة بقولها: «ما أجمل أن تكون لدينا دار نشر تعنى بالشعر، وذلك ليس إلا من باب سهولة الوصول إلى ما يبحث عنه القارئ، فالتخصص في دور النشر يساعد على توضيح خريطة الاقتناء».
وأضافت: «إن وجود دار نشر متخصصة تهتم بطباعة الدواوين، هو أمر نحتاج إليه بقوة، في ظل اهتمام أغلب دور النشر المحلية والعربية بالأجناس الأدبية الأخرى، ولكن الأهم أن تكون هناك لجان جادة لتقييم الأعمال المنشورة، والتفكير في إعادة نشر الأعمال الشعرية القديمة والنادرة التي لم تعد متاحة للقراء».
بدوره يفيد الشاعر أحمد المطروشي، بأن السنوات القليلة الماضية، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في ميل دور النشر العربية عموماً لطباعة الرواية على حساب غيرها من الأجناس الأدبية خاصة الشعر، وفي هذا يقول المطروشي: «ذلك لا يدل على أن الشعر قد خسر رصيده في ذاكرة القراء، فالشعر كائن أزلي أتى بعد الفلسفة، والقصيدة كائن له خطوات موثوقة فقد يخسر مرة، ولكنه يعود بقوة»، ويضيف: «إذا أردت الحكمة والفلسفة فارجع إلى الشعر، ارجع إلى الشعراء الكبار والملاحم المعروفة في التاريخ، فما تحتاجه لقراءة تاريخ الإغريق، ستعثر عليه في الإلياذة، وهكذا بالنسبة لكثير من تاريخ الشعوب وحكمها وفلسفاتها».
كما يؤكد المطروشي أن هناك تحيزاً لمصلحة الشعر على حساب الرواية، فالرواية جنس أدبي ممتع، لكنها تخاطب الواقع، بينما إذا أراد القارئ النهل من منابع الحكمة والفلسفة، فعليه أن يعود للشعر، ولجذوة الشعر، حيث البعد الإنساني، وحيث احتراق القصيدة، وانفعال ووهج شاعرها الذي يضيء الدروب، ويشف كالندى على مساحة نبضه ووهجه ومشاعره.
الشاعر الدكتور طلال الجنيبي قال: «هذه مسألة مهمة، أنْ نسعى كمؤسسات ومثقفين إلى معالجة قضية الشعر، وترويجه في ظل انحسار المد الشعري على حساب المد الروائي إن جاز التعبير»، والشعر كما يؤكد د. الجنيبي سيبقى ديوان العرب، وله مكانته الخاصة في الضمير العربي، ويجب أن نحافظ على هذه المكانة؛ لما له من دور محوري في الثقافة، سيما أن القارئ العربي له علاقة تاريخية وثقافية مع الشعر.
إذا تسنى وجود دار نشر متخصصة للشعر، يؤكد د. الجنيبي: «فسنتمكن من تسليط الضوء على الشعر بعيداً عن منافسة الأجناس الأدبية الأخرى، وكلنا نعرف أن هذه المنافسة، قد تكون غير عادلة؛ لأن الرهان على متلقٍ جيد، محكوم بمقدار ما يقدم له من نتاج أدبي مرموق».
الرهان على الشعر ودوره الأدبي والتاريخي كما يؤكد د. الجنيبي، لصيق بما يتيحه من مساحة للروح والوجدان، كما أن التركيز على نشر وطباعة الشعر، من خلال توفر دور نشر متخصصة، يبعث الروح في جسد الشعر من جديد، بعد ما أصابه من ترهل وغموض، وما لقيه من مجافاة القراء له، كما يبعد عنه المنافسة الشرسة مع الرواية، وهي فرصة لتجويد المنتج الشعري وما فيه من عناصر تنقله إلى مستوى متقدم، يمكنه من تحقيق دوره في الإضافة والتجديد، ليكون قريباً من ذائقة المتلقي بما يتمتع به من صور وأفكار ومضامين، ومساحة خصبة من الخيال.

 

28/08/2018

المصدر: صحيفة الخليج | الإمارات